فصل: سؤال: ما الحكمة في إثبات حق الرجعة؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عاشور:

والحق أن الآية صريحة في تحريم أخذ العوض عن الطلاق إلا إذا خيف فساد المعاشرة بألا تحب المرأة زوجها، فإن الله أكد هذا الحكم إذ قال: {إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله} لأن مفهوم الاستثناء قريب من الصريح في أنهما إن لم يخافا ذلك لا يحل الخلع، وأكده بقوله: {فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما أفتدت به} فإن مفهومه أنهما إن لم يخافا ذلك ثبت الجناح، ثم أكد ذلك كله بالنهي بقوله: تلك حدود الله فلا تعتدوها ثم بالوعيد بقوله: {ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون} وقد بين ذلك كله قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بين جميلة بنت أو أخت عبد الله بن أبي بن سلول، وبين زوجها ثابت بن قيس بن شماس؛ إذ قالت له يا رسول الله لا أنا ولا ثابت، أو لا يجمع رأسي ورأس ثابت شيء، والله ما أعتب عليه في دين ولا خلق ولكني أكره الكفر في الإسلام لا أطيقه بغضًا فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «أتردين عليه حديقته التي أصدقك» قالت نعم وأزيده زاد في رواية قال: أما الزائد فلا وأجاب الجمهور بأن الآية لم تذكر قوله: {إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله} على وجه الشرط بل لأنه الغالب من أحوال الخلع، ألا يُرى قوله تعالى: {فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئًا مريئًا} [النساء: 4] هكذا أجاب المالكية كما في أحكام ابن العربي، وتفسير القرطبي.
وعندي أنه جواب باطل، ومتمسك بلا طائل، أما إنكار كون الوارد في هاته الآية شرطا، فهو تعسف وصرف للكلام عن وجهه، كيف وقد دل بثلاثة منطوقات وبمفهومين وذلك قوله: {ولا يحل لكم أن تأخذوا مما أتيتموهن شيئًا} فهذا نكرة في سياق النفي، أي لا يحل أخذ أقل شيء، وقوله: {إلا أن يخافا} ففيه منطوق ومفهوم، وقوله: {فإن خفتم} ففيه كذلك، ثم إن المفهوم الذي يجيء مجيء الغالب هو مفهوم القيود التوابع كالصفة والحال والغاية، دون ما لا يقع في الكلام إلا لقصد الاحتراز، كالاستثناء والشرط.
وأما الاحتجاج للجواز بقوله: {فإن طبن لكم عن شيء منه نفسًا}، فمورده في عفو المرأة عن بعض الصداق، فإن ضمير {منه} عائد إلى الصدقات، لأن أول الآية: {وأتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم} [النساء: 4] الآية فهو إرشاد لما يعرض في حال العصمة مما يزيد الألفة، فلا تعارض بين الآيتين ولو سلمنا التعارض لكان يجب على الناظر سلوك الجمع بين الآيتين أو الترجيح. اهـ.

.قال البقاعي:

ولما كانت أحكام النساء تارة بالمرافقة وتارة بالمفارقة وكانت مبنية على الشهوات تارة على البهيمية وتارة على السبعية وكان سبحانه وتعالى قد حد فيها حدودًا تكون بها المصالح وتزول المفاسد منع سبحانه وتعالى من تعدى تلك الحدود أي الأحكام التي بينها في ذلك ولم يذكر قربانها كما مضى في آية الصوم فقال: {تلك} أي الأحكام العظيمة التي تولى الله بيانها من أحكام الطلاق والرجعة والخلع وغيرها {حدود الله} أي شرائع الملك الأعظم الذي له جميع العزة من الأوامر والنواهي التي بينها فصارت كالحدود المعروفة في الأراضي.
ولما كانت شرائع الله ملائمة للفطرة الأولى السليمة عن نوازع النقائص وجواذب الرذائل أشار إلى ذلك سبحانه بصيغة الافتعال في قوله: {فلا تعتدوها} أي لا تتكلفوا مجاوزتها، وفيه أيضًا إشارة إلى العفو عن المجاوزة من غير تعمد.
ولما أكد الأمر تارة بالبيان وتارة بالنهي زاد في التأكيد بالتهديد فقال عاطفًا على ما تقديره: فمن تعدى شيئًا منها فقد ظلم: {ومن يتعد} أي يتجاوز {حدود الله} أي المحيط بصفات الكمال التي بينها وأكد أمرها وزاد تعظيمها بتكرير اسمه الأعظم. قال الحرالي: ففيه ترجية فيما يقع من تعدي الحدود من دون ذلك من حدود أهل العلم ووجوه السنن وفي إعلامه إيذان بأن وقوع الحساب يوم الجزاء على حدود القرآن التي لا مندوحة لأحد بوجه من وجوه السعة في مخالفتها ولذلك تتحقق التقوى والولاية مع الأخذ بمختلفات السنن ومختلفات أقوال العلماء- انتهى. وإليه يرشد الحصر في قوله: {فأولئك} أي المستحقون للابعاد {هم الظالمون} أي العريقون في الظلم بوضع الأشياء في غير مواضعها فكأنهم يمشون في الظلام. قال الحرالي: وفي إشعاره تصنيف الحدود ثلاثة أصناف: حد الله سبحانه وتعالى، وحد النبي صلى الله عليه وسلم، وحد العالم؛ قال صلى الله عليه وسلم: «ما جاء من الله فهو الحق، وما جاء مني فهو السنة، وما جاء من أصحابي فهو السعة» فأبرأ العباد من الظلم من حافظ على أن لا يخرج عن حدود العلماء ليكون أبعد أن يخرج من حدود السنة ليكون أبعد أن يخرج من حدود الكتاب، فالظالم المنتهي ظلمه الخارج عن الحدود الثلاثة: حد العالم، وحد السنة، وحد الله- انتهى. اهـ.

.قال الفخر:

أما قوله تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ الله} فالمعنى أن ما تقدم ذكره من أحكام الطلاق والرجعة والخلع {فَلاَ تَعْتَدُوهَا} أي فلا تتجاوزوا عنها، ثم بعد هذا النهي المؤكد أتبعه بالوعيد، فقال: {وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ الله فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظالمون} وفيه وجوه أحدها: أنه تعالى ذكره في سائر الآيات {أَلاَ لَعْنَةُ الله عَلَى الظالمين} [هود: 18] فذكر الظلم هاهنا تنبيهًا على حصول اللعن، وثانيها: أن الظالم اسم ذم وتحقير، فوقوع هذا الاسم يكون جاريًا مجرى الوعيد، وثالثها: أنه أطلق لفظ الظلم تنبيهًا على أنه ظلم من الإنسان على نفسه، حيث أقدم على المعصية، وظلم أيضًا للغير بتقدير أن لا تتم المرأة عدتها، أو كتمت شيئًا مما خلق في رحمها، أو الرجل ترك الإمساك بالمعروف والتسريح بالإحسان، أو أخذ من جملة ما آتاها شيئًا لا بسبب نشوز من جهة المرأة، ففي كل هذه المواضع يكون ظالمًا للغير فلو أطلق لفظ الظالم دل على كونه ظالمًا لنفسه، وظالمًا لغيره، وفيه أعظم التهديدات. اهـ.

.قال ابن عاشور:

جملة: {تلك حدود الله فلا تعتدوها} معترضة بين جملة: {ولا يحل لكم أن تأخذوا مما أتيتموهن شيئًا} وما اتصل بها، وبين الجملة المفرعة عليها وهي {فإن طلقها فلا تحل له من بعد} الآية.
ومناسبة الاعتراض ما جرى في الكلام الذي قبلها من منع أخذ العوض عن الطلاق، إلا في حالة الخوف من ألا يقيما حدود الله، وكانت حدود الله مبينة في الكتاب والسنة، فجيء بهذه الجملة المعترضة تبْيِينًا؛ لأن منع أخذ العوض على الطلاق هو من حدود الله.
وحدود الله استعارة للأوامر والنواهي الشرعية بقرينة الإشارة، شبهت بالحدود التي هي الفواصل المجعولة بين أملاك الناس، لأن الأحكام الشرعية، تفصل بين الحلال والحرام، والحق والباطل وتفصل بين ما كان عليه الناس قبل الإسلام، وما هم عليه بعده.
والإقامة في الحقيقة الإظهار والإيجاد، يقال: أقام حدًا لأرضه، وهي هنا استعارة للعمل بالشرع تبعًا لاستعارة الحدود للأحكام الشرعية، وكذلك إطلاق الاعتداء الذي هو تجاوز الحد على مخالفة حكم الشرع، هو استعارة تابعة لتشبيه الحكم بالحد.
وجملة: {ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون} تذييل وأفادت جملة: {فأولئك هم الظالمون} حصرًا وهو حصر حقيقي، إذ ما من ظالم إلا وهو متعد لحدود الله، فظهر حصر حال المتعدي حدود الله في أنه ظالم.
واسم الإشارة من قوله: {فأولئك هم الظالمون} مقصود منه تمييز المشار إليه، أكمل تمييز، وهو من يتعدى حدود الله، اهتمامًا بإيقاع وصف الظالمين عليهم.
وأطلق فعل {يتعد} على معنى يخالف حكم الله ترشيحًا لاستعارة الحدود لأحكام الله، وهو مع كونه ترشيحًا مستعار لمخالفة أحكام الله؛ لأن مخالفة الأمر والنهي تشبه مجاوزة الحد في الاعتداء على صاحب الشيء المحدود. اهـ.

.قال السعدي:

{وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} وأي ظلم أعظم ممن اقتحم الحلال، وتعدى منه إلى الحرام، فلم يسعه ما أحل الله؟
والظلم ثلاثة أقسام:
ظلم العبد فيما بينه وبين الله، وظلم العبد الأكبر الذي هو الشرك، وظلم العبد فيما بينه وبين الخلق، فالشرك لا يغفره الله إلا بالتوبة، وحقوق العباد، لا يترك الله منها شيئا، والظلم الذي بين العبد وربه فيما دون الشرك، تحت المشيئة والحكمة. اهـ.

.سؤال: ما الحكمة في إثبات حق الرجعة؟

الجواب: الحكمة في إثبات حق الرجعة أن الإنسان ما دام يكون مع صاحبه لا يدري أنه هل تشق عليه مفارقته أو لا فإذا فارقه فعند ذلك يظهر، فلو جعل الله الطلقة الواحدة مانعة من الرجوع لعظمت المشقة على الإنسان بتقدير أن تظهر المحبة بعد المفارقة، ثم لما كان كمال التجربة لا يحصل بالمرة الواحدة، فلا جرم أثبت تعالى حق المراجعة بعد المفارقة مرتين، وعند ذلك قد جرب الإنسان نفسه في تلك المفارقة وعرف حال قلبه في ذلك الباب، فإن كان الأصلح إمساكها راجعها وأمسكها بالمعروف، وإن كان الأصلح له تسريحها سرحها على أحسن الوجوه وهذا التدريج والترتيب يدل على كمال رحمته ورأفته بعبده. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قوله جلّ ذكره: {الطَّلاَقُ مّرَّتَانِ}.
ندب إلى تفريق الطلاق لئلا تسارع إلى إتمام الفراق، وقيل في معناه:
إنْ تَبْيَنْتُ أَنَّ عَزْمَكِ قتلى ** فذريني أضني قليلًا قليلا

ثم قال جلّ ذكره: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}.
إمَّا صحبة جميلة أو فُرْقة جميلة. فأمَّا سوء العشرة وإذهاب لذة العيش بالأخلاق الذميمة فغير مَرَْضِيٍ في الطريقة، ولا محمود في الشريعة.
قوله جلّ ذكره: {وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا}.
فإِن في الخبر «العائد في هبته كالعائد في قَيْئِه» والرجوع فيما خرجتَ عنه خِسَّة.
ثم قال جلّ ذكره: {إِلاَّ أَنْ يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}.
يعني إنْ أرادت المرأة أن تتخلص من زوجها فلا جناح عليها فيما تبذل من مال، فإنَّ النفس تساوي لصاحبها كل شيء، والرجال إذا فاتته صحبة المرأة فلو اعتاض عنها شيئًا فلا أقلَّ من ذلك، حتى إذا فاتته راحة الحال يصل إلى يده شيء من المال.
قوله جلّ ذكره: {تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}.
هذه آداب يُعَلِّمكموها الله ويَسُنُّها لكم، فحافظوا على حدوده، وداوموا على معرفة حقوقه. اهـ.

.لطيفة:

روي أن امرأة نشزت على عهد عمر، فبيتها في اصطبل في بيت الزبل ثلاث ليال، ثم دعاها، فقال: كيف رأيت مكانك؛ فقالت ما رأيت ليالي أقرّ لعيني منها، وما وجدت الراحة مذ كنت عنده إلاَّ هذه الليالي. فقال عمر: هذا وأبيكم النشوز، وقال لزوجها اجلعها ولو من قرطها، اختلعها بما دون عقاص رأسها، فلا خير لك فيها. اهـ.